كتب طاهر العدوان *
بعد اسبوع على قرارات قمة القاهرة لا نرى لها أثراً في الأثير ولا في الارض حتى انه يصدق عليها القول بأنها ولدت ميتة .بل وكأنها كانت مناسبة للمجرم نتنياهو وشريكه الاستراتيجي ترمب لتصعيد حرب الابادة في غزة فلم يكتفي الشريكان برفض الصفقة المصرية العربية لاعمار القطاع انما صعدا من حرب الابادة بقرار منع المساعدات الإنسانية عن غزة فمنع المساعدات يعني بداية حرب التجويع للوصول الى التطهير العرقي.
وما كان لقمة القاهرة ان تنجر الى ساحة المساومة والصفقات التي يعتمدها تاجر البيت الأبيض والرد (على الصفقة بصفقة) .لان ترمب سارع الى رفضها وفق حسابات التاجر في الربح والخسارة فما أراده (بصفقته الجريمة) لترحيل اهل القطاع هو الحصول على عائد ربح وفير يساوي ما حلم به من عوائد اقامة ريفيرا للقمار والسياحة في غزة، ولم يكن يريد من قمة العرب بيانات وخرائط وكرافانات .
كان لقرارات القمة ان تناسب التحدي الخطير الذي تواجهه الامة لو انها بحثت في خطة ترمب من باب كونها جريمة حرب تهدد عضوا من أعضاء الجامعة العربية هي فلسطين وتهدد الأمن القومي العربي على اعتبار ان القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للامة باسرها. لو فعلت لكانت قراراتها مختلفة وتستجيب للتحدي المصيري المطروح .
لو انها فعلت لتجنبت وصف ترمب بأنه (يعمل للسلام في المنطقة) وصف غير موفق، لا في زمانه ولا مكانه، لأن (خطة ريفيرا الترحيل) تعتبر في جميع القوانين الدولية تهديد للامن والسلم الدوليين.فهي نسخة عتيقة وبشعة من عصور الظلام وما سجله التاريخ من جرائم التطهير العرقي وحروب الابادة الوحشية ،في عصور لم تكن فيها الإنسانية قد عرفت بعد حقوق الانسان وحق تقرير المصير وشرائع العدل الدولية.
وكنا نتمنى لو كانت مواقف دول الجامعة العربية مثل مواقف الاتحاد الأوروبي ودوله في مواجهة تهديدات ترمب وسياساته الجنونية تجاه قضايا السلام والحرب والدفاع في القارة الاوروبية،لقد قدم رئيس فرنسا ماكرون خطابا مهما في مسألة الدفاع عن السلام والامن في أوروبا واسمع شريكه الأمريكي في حلف الناتو اطروحة عن استقلال الدول وسيادتها وارادتها في الدفاع عن مصالحها وامنها .وكذلك فعل رئيس وزراء بريطانيا والمستشار الجديد لألمانيا (فالسلام كما قال ماكرون لا يكون الا بالتوازن العسكري مع الأعداء والخصوم وبغير ذلك يكون استسلام). او مثل موقف رئيسة المكسيك ورئيس وزراء كندا في مواجهة جدران ترمب والتهديد بالرد عليه بمقاطعة الصناعات والبضاعة الأمريكية.
هكذا فعلت دول الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك مع انها تواجه تهديدات من ترمب اقل بمليون مرة من ما تواجهه الدول العربية ،وليس فلسطين فقط، من مخططات وتهديدات وحروب الشراكة الاستعمارية القائمة بين حكومة المجرم نتنياهو وبين إدارة ترمب الامبريالية الصهيونية.. تهديدات تقوض الوجود والامن والمصير لشعوب العالم العربي باسره.
في هذه المنطقة المشتعلة على صفيح ساخن نقف شعوبها أمام منعطف تاريخي خطير جدا وهو لا يتعلق بسياسات خارجية متنافسة في المصالح (كالحرب الباردة مثلا) انما نحن جميعا كانظمة وشعوب أمام حروب وتهديدات ساخنة وامام خطر وجودي يهدد امن وسلام الشعوب العربية من المحيط الى الخليج .ومن الخطأ النظر لسياسات ترمب وقراراته وتحالفاته مع المجرم نتنياهو من باب الصفقات والمساومات والرد على الصفقة بصفقة .انها أخطر من ذلك بكثير واي باحث جاد في التحولات العميقة التي يجريها ترمب على السياسة الأمريكية الخارجية تجاه منطقتنا العربية،سيجد انه لم يعد مهتما باوروبا وتحالفات بلاده القديمة معها ،فهي قارة تتطلب منه الإنفاق وهذا ما يخالف جوهر سياسته العقارية وروحها الامبريالية الفوقية.
الترامبية الجديدة تتجه الى المنطقة العربية كبديل لاوروبا من اجل الهيمنة والنفوذ كمصدر للاستيلاء على الثروات والأسواق فيها. وكأننا امام نسخة جديدة من الهيمنة الاستعمارية بهدف تقسيم العالم العربي واستنزافه واداتها الآلة العسكرية الإسرائيلية للعمل على اقامة اسرائيل الكبرى وتكريسها كقوة تدمير لابتزاز الدول من الشرق الاوسط إلى الصين .
أمام حرب التهجير والابادة في غزة والضفة (تدمير ٤ مخيمات في الضفة )وحملات إثارة الفتن والتسلل العسكري الصهيوني في لبنان وسوريا ومخططات تقسيم سوريا ،فان مواجهة الهجوم الامبريالي الصهيوني الواسع يكون باعادة مفاهيم الصراع مع الكيان الصهيوني وشريكه الأمريكي، الى ما كانت عليه قبل معاهدات السلام والتطبيع المشؤومة .
السلام في فلسطين يعني سلاما للمنطقة باسرها والقضاء على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية قضاء على حقوق شعوب المنطقة جميعا .وبغير التوازن العسكري العربي مع العدو لا سلام انما استسلام .فالمقاربة الاوروبية تجاه اوكرانياليست شيئا عند مقارنتها بالصراع الوجودي مع الصهيونية وحليفها ترمب.
* الكاتب وزير إعلام أسبق
0 تعليق