"غزة تواجه التاريخ"Gaza Faces History كتاب باللغة الإيطالية صدر حديثا للمؤرخ الإيطالي انزو ترافيرسو Enzo Traverso استاذ التاريخ الفكري في جامعة كورنيل الأمريكية وترجمه للإنجليزية ويلارد وود Willard Wood. يعتبر هذا الكتاب الذي جاء في 128 صفحة مرجعاً مهماً لفهم تعقيدات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتأثيره على الشعب الفلسطيني.
يقدم الكتاب تحليلاً شاملاً لتاريخ غزة ودورها في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مع التركيز على الأبعاد الإنسانية والسياسية. يركز الكتاب على الأهمية الاستراتيجية لغزة كمنطقة حدودية تشهد صراعات مستمرة منذ عقود. يربط ترافيرسو بين الأحداث التاريخية والسياقات السياسية المعاصرة، معتبراً غزة نموذجاً للصراع الأوسع في الشرق الأوسط. والمؤلف ليس غريبا عن القضية الفلسطينية وإشكالية الدولة اليهودية المصطنعة ، فقد صدرت له مؤلفات مثل «المسألة اليهودية والسجال الماركسي» و«نهاية الحداثة اليهودية».
يتناول الكتاب تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لغزة منذ عام 1967، ويشرح كيف تحولت المنطقة إلى سجن مفتوح يعاني من الحصار والعنف المستمر. يركز ترافيرسو على دور المقاومة الفلسطينية، خاصة حركة حماس، في مواجهة الاحتلال، ويحلل كيفية تحول غزة إلى رمز للمقاومة والصمود في وجه البطش والقمع.
يصف الكتاب الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2007 كشكل من أشكال العقاب الجماعي غير المسبوق والمخالف لكل الشرائع والمواثيق الدولية، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية والحياتية لأكثر من مليوني انسان. يتحدث ترافيرسو عن تأثير الحصار على الحياة اليومية للسكان، بما في ذلك نقص الغذاء والدواء والكهرباء، وكيف تحولت غزة إلى منطقة تعاني من أزمة إنسانية مستمرة.
يحذر المؤرخ الإيطالي إنزو ترافيرسو في هذه الكتاب من الآثار المدمرة لاستخدام الإعلام الإسرائبلي والغربي ذكرى الهولوكوست لتبرير حرب الإبادة الجماعية التي شنها الجيش الإسرائيلي على غزة في اكتوبر 2023. يقول ترافيرسو أن "ذكرى الهولوكوست شهدت تحولاً متناقضاً، حيث استخدمتها إسرائيل ومعظم القوى الغربية كسلاح من أجل أن تصبح سياسة لدعم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية دون قيد أو شرط. ويقول ، وهو يشهد هذا التشويه للتاريخ: "لقد صدمت بالطريقة التي أسيء بها استخدام العديد من الكلمات والمفاهيم وسوء فهمها. والآن نواجه موقفاً متناقضاً حيث الجاني هو حماس والفلسطينيون، والضحايا هم الإسرائيليون. وهذا انقلاب للواقع".
يتوقف ترافيرسو عند المقولة الشائعة في الغرب والقائلة بأنّ إسرائيل جزيرة ديمقراطية وسط محيط ظلامي من الدكتاتورية والقمع والحكم الأحادي، وان حماس حركة دينية فاشية تستلهم التعصب المتعطش للدماء، ليجادل في المقابل بأنّ تدمير غزة يذكّر بعصر الإستعمار، حين ارتكب الغرب حروب إبادة في آسيا وأفريقيا باسم الحضارة والتمدن. وفي هذا السياق تتعالى التصريحات الأمريكية والغربية حول حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، فلا يأتي أحد على ذكر حق الفلسطينيين في مقاومة عدوان واحتلال وتنكيل عمره عقود.
ينتقد الكتاب الدور الدولي في الصراع، خاصة موقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تدعم إسرائيل بشكل غير مشروط. ويرى ترافيرسو أن المجتمع الدولي فشل في تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، مما سمح باستمرار الاحتلال وانتهاكات حقوق الإنسان.
يختتم ترافيرسو كتابه بدعوة إلى إعادة النظر في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من منظور تاريخي وإنساني. يؤكد أن حل الصراع يتطلب إنهاء الاحتلال وضمان حقوق الشعب الفلسطيني، معتبراً أن غزة ستظل رمزاً للصراع حتى يتم تحقيق العدالة والسلام. ويشدد على هشاشة دولة اسرائيل وليس قوّتها المفرطة كما تبدو فوق السطح.
اللواء المتقاعد د.موسى العجلوني
0 تعليق