شبكة أطلس سبورت

معاوية وإطلاق الثنائية السلبية من جديد! - شبكة أطلس سبورت

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
معاوية وإطلاق الثنائية السلبية من جديد! - شبكة أطلس سبورت, اليوم الثلاثاء 18 مارس 2025 04:20 صباحاً

شبكة أطلس سبورت - وكأن ما عندنا من مشكلات عميقة ومتجذرة لا يكفي كي نقوم بنقاشه ونبحث عن حلول عقلانية له، فجاء مسلسل "معاوية" في رمضان الحالي ليفتح الباب على مصراعيه في إطلاق الثنائية الجدلية المسمومة من جديد، والتي تحملها الثقافة السياسية العربية منذ زمن تحت معطفها، ولكنها ازدادت زخماً في العقود القليلة الماضية، وهي استدعاء التراث لاستخدامه في الصراعات القائمة على أساس قومي أو مصلحي.

ينقل بشكل متواتر عن الإمام مالك إنه قال: "كل يؤخذ من قوله ويرد، إلا صاحب هذا القبر"، ويقصد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي حكمة عميقة، أي أن أي اجتهاد خارج ما كان يوحى للرسول من ربه، هو اجتهاد إنساني، قد يصح وقد يخطئ.

مسلسل "معاوية" هو مسلسل درامي، لا أكثر ولا أقل. والعمل الدرامي له شروطه ومتطلباته. وليس القصد هنا الحديث الفني عن المسلسل، بل الحديث عن الجدلية التي أطلقها، بين من يعتقدون أنهم "رجال دين" أو "رجال رأي ومشورة"، وقد نبشوا من جديد ذلك التاريخ، وأعادوه إلينا مغلفاً بمظاهر سياسية معاصرة، دون أدنى اعتبار لكل هذه القرون من الزمن التي مضت.

تاريخ صعود القوة العربية من الجزيرة العربية، ومن ثم حول العالم، تاريخ طويل، فقد كان بين المتقدمين اجتهادات ورؤى وصراعات واقتتال، كما يحدث بين البشر جميعاً، دافعها في الغالب المصالح الدنيوية، والتي أيضاً في الغالب ما تلبس لباس الاجتهادات الفقهية. لقد كان بينهم في عصور مختلفة ومتعددة قتال شديد، وفرقة وتناحر، بين المختلفين، والصالح والطالح، وما أن تدين السلطة إلى شق منهم، حتى يقوم الشق الثاني، والذي كان حليفاً، إلى المخالفة، وربما الاحتراب.

 

كان ذلك الصراع مقيتاً إلى درجة أنه في بعض زواياه المظلمة، تم إخراج الجثث من قبورها والتمثيل بها. كل ذلك تصرف إنساني، له دوافعه وظروفه، كما كان لبعضهم إنجازات حفظها التاريخ، إلا أن المُحصلة، أن هناك صراعاً بشرياً، يفهم على أنه من طبيعة الإنسان، كما حدث في تاريخ أمم أخرى، بل كما يحدث بيننا اليوم... ولكن تلك أمة قد خلت.

 

ما يقلق إلى حد كبير، أنه بمجرد بدء مسلسل "معاوية"، انطلقت تعليقات تستدعي الماضي، وتذكر بمآسيه وخيباته، وتتساءل من جديد من كان على خطأ ومن كان على صواب؟ كل هذا النقاش يدل على أننا نعيش في جب من الماضي، غير ملتفتين إلى الحاضر، وبالتأكيد غير عابئين بالمستقبل.

 

استدعاء معارك قديمة، لتبرير معارك قائمة في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، ومعارك إقليمية ودولية بين قوى كبرى وقوى إقليمية، هذه الملفات تحتاج إلى تفكير معاصر ومقاربة موضوعية، غير مستندة إلى ماض، مهما فعلنا، لن نستطيع أن نغيره، ومهما رغبنا لا نستطيع أن نعيده.

المعارك المماثلة مرّ ويمرّ بها غيرنا. فقد شهد تاريخ أوروبا معارك قتل فيها الملايين ودمرت مدن وقرى، بسبب تنازع بين الكاثوليك والبروتستانت، كل يعتقد أن لديه الحقيقة الكاملة، وفي نهاية الصراع لم يكن أمامهم إلا هجر الماضي والتعامل مع بعضهم.

 

اليوم نشهد صراعاً أرثوذكسياً أوكرانياً، مع أرثوذكس روسيا، كلاهما يحمل المعاني المقدسة نفسها، إلا أن صراعهم صراع مصالح وصراع قوميات، فالدين الواحد لا يعني التوحد، كما لا تعني المذاهب المختلفة الصراع بالضرورة.

الخلاف المذهبي لا أحد يمكن أن يحكم عليه بالصح المطلق أو الخطأ المطلق، الحكم عند رب العالمين، والاجتهاد الحقيقي هي منفعة الناس، وأمنهم ومعاشهم والتعايش بينهم في وطن أو منطقة، بعيداً من الصراعات والحروب ونكء جروح الماضي، وما يمكن أن يفسر هذا الاستدعاء التاريخي من البعض للصراعات، إلا أنه إما جهلاً أو توظيفاً من أجل حمل العامة إلى التخندق والاختلاف.

هذه السلسلة من اللغط التي استدعاها بعض من يعتقدون أنهم "أهل معرفة" وحمل العامة على تصديقها، تضرب إسفيناً ساماً في مجتمعاتنا، والتي تواجه تحديات كبرى، منها تحدي البقاء أو الزوال.

 

أخبار متعلقة :