تعد إصابات حوادث الطرق في الأردن من أخطر القضايا الصحية والاجتماعية التي تهدد حياة المواطنين، حيث كشف التقرير السنوي لعام 2022 عن تسجيل 169,409 حادث سير، أسفرت عن 562 حالة وفاة، إلى جانب آلاف الإصابات التي تتراوح بين الطفيفة والبليغة.
والأمر الأكثر خطورة أن حوادث الطرق أصبحت السبب الأول للوفاة بين الأطفال والشباب، والثاني بين البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و64 عامًا.
أرقام مقلقة تتطلب تحركًا سريعًا
تشير الإحصاءات إلى أن 79% من المصابين في الحوادث هم من الذكور، بمتوسط عمر 34 عامًا، وغالبًا ما تقع الحوادث خلال ساعات الصباح الباكر أو الليل، وعلى الطرق الرئيسية. وتعد السيارات (72%) والدراجات النارية والهوائية (40%) أكثر المركبات تورطًا في الحوادث.
ورغم أن 74% من المصابين تلقوا رعاية طبية قبل الوصول إلى المستشفى، إلا أن العديد منهم يعانون من إصابات معقدة. حيث أظهرت الدراسات أن 58% تعرضوا لإصابة واحدة على الأقل، وكانت الأطراف هي الأكثر تضررًا. وتنوعت العلاجات بين الغرز الجراحية، والعمليات، والتثبيت الداخلي للكسور، مما يعكس حجم الإصابات الخطيرة التي يتعرض لها الضحايا.
لم تقتصر المعاناة على الألم الجسدي، بل امتدت إلى الجانب المادي، حيث اضطر 49% من المصابين إلى دفع تكاليف فورية للعلاج، بينما استمرت النفقات في المتابعة الطبية، خصوصًا لجلسات العلاج الطبيعي والأدوية، مما يزيد الضغط على الأسر المتضررة ويجعل التعافي أكثر صعوبة.
بعد شهر واحد من الحادث، أبلغ 79% من المصابين عن نوع من الإعاقة، تراوحت بين الخفيفة والشديدة. وبعد ثلاثة أشهر، أفاد 73% بتعافيهم، لكن 26% استمروا في مواجهة إعاقات دائمة أو جزئية، وهو مؤشر خطير على التأثير طويل الأمد لهذه الحوادث على جودة حياة الأفراد وأسرهم.
المخالفات وعواقبها: لا تهاون مع المستهترين
تعد المخالفات المرورية من الأسباب الرئيسية للحوادث، حيث أن السرعة الزائدة، التجاوز الخاطئ، عدم ربط حزام الأمان، واستخدام الهاتف أثناء القيادة ترفع معدلات الحوادث القاتلة.
في العديد من الدول التي نجحت في تقليل الحوادث، مثل السويد وأستراليا وسنغافورة، تم فرض عقوبات صارمة للغاية على المخالفين، مما أدى إلى انخفاض واضح في الوفيات والإصابات.
في الأردن، لا بد من تشديد العقوبات بشكل أكبر، بحيث تشمل الإجراءات التالية:
مضاعفة الغرامات المالية على المخالفات الخطرة، مثل السرعة الزائدة والتجاوزات الخاطئة، حيث ثبت أن ارتفاع الغرامات يقلل من التهور على الطرق.
سحب رخصة القيادة مؤقتًا أو نهائيًا للمخالفين المتكررين، خاصة من يرتكبون أكثر من 3 مخالفات جسيمة خلال سنة واحدة.
تحويل المخالفين الذين تسببوا في حوادث مميتة إلى المحاكم الجنائية، بحيث يواجهون عقوبات مشددة قد تشمل السجن لعدة سنوات.
فرض خدمة مجتمعية إجبارية على المخالفين، تشمل العمل في مستشفيات الحوادث أو المشاركة في حملات التوعية، ليدركوا حجم الأذى الذي يتسببون به.
استخدام أنظمة النقاط على رخص القيادة، بحيث يتم خصم نقاط مقابل كل مخالفة، ومن يصل إلى الحد الأقصى تسحب رخصته.
عقوبة السائقين المتسببين في الحوادث المميتة
إذا تسبب سائق في حادث مميت نتيجة لمخالفة مرورية مثل السرعة الزائدة أو القيادة تحت تأثير الكحول، فيجب أن يواجه عقوبة السجن، بالإضافة إلى دفع تعويضات مالية لأهل الضحية. يجب أن يكون هناك وضوح في أن القيادة المستهترة لا تقتل فقط الأبرياء، بل تدمر حياة السائقين أنفسهم أيضًا.
أما السائق الذي يتسبب في إصابة خطيرة لشخص آخر بسبب مخالفة مرورية جسيمة، فيجب أن يتحمل المسؤولية القانونية والطبية الكاملة لعلاج المصاب، مع فرض غرامات وسحب رخصته لفترة طويلة.
مسؤولية جماعية: الدولة والمجتمع في مواجهة الأزمة
لا يمكن ترك هذا الوضع الكارثي بدون تدخل شامل، إذ يجب أن تتحمل الدولة بكافة مؤسساتها، والقطاع الخاص، والجمعيات المدنية، والمؤسسات التعليمية مسؤولية العمل على الحد من هذه الحوادث القاتلة.
ويجب أن تتضافر الجهود في عدة محاور رئيسية:
إعادة تأهيل وتدريب عناصر دائرة السير في كافة أنحاء المملكة، لضمان تطبيق صارم وفعّال لقوانين المرور، ومنع التجاوزات، ومراقبة الطرق بطرق أكثر كفاءة.
تحسين البنية التحتية للطرق، عبر توفير إضاءة مناسبة، وإصلاح الحفر والمطبات العشوائية، ووضع إشارات مرور واضحة، وإنشاء مسارات آمنة للمشاة والدراجات.
تحديث وتطبيق قوانين المرور بحزم، بحيث تشمل فرض عقوبات أشد على المخالفين، مثل السرعة الزائدة، والتجاوزات الخاطئة، واستخدام الهاتف أثناء القيادة، وعدم ربط حزام الأمان.
تعزيز حملات التوعية المرورية، بدءًا من المدارس والجامعات، وحتى منصات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لترسيخ ثقافة القيادة الآمنة واحترام قوانين السير.
إدراج برامج تأهيل نفسي واجتماعي للمصابين، لضمان عودتهم إلى حياتهم الطبيعية بأقل ضرر ممكن، مع تقديم الدعم المالي للمحتاجين منهم.
تشديد الرقابة على المركبات والسائقين، من خلال فحص دوري لحالة السيارات، وضبط السائقين غير المؤهلين أو الذين يقودون تحت تأثير المخدرات أو الكحول.
لا مجال للصمت – التحرك الآن ضرورة وطنية
إن هذه الأرقام الصادمة ليست مجرد إحصائيات، بل هي قصص مأساوية لعائلات فقدت أحبّاءها أو تعاني من إصابات غيرت مجرى حياتهم. لا يمكننا الاستمرار في السكوت عن هذه الكارثة، فكل يوم تأخير يعني مزيدًا من الضحايا.
في دول مثل السويد وسنغافورة، أدى تطبيق قوانين صارمة تشمل الغرامات الباهظة، والسجن للمخالفين المتكررين، واستخدام كاميرات لمراقبة السرعة، إلى تقليل الحوادث بنسبة تصل إلى 50% خلال سنوات قليلة. لماذا لا نطبق ذلك في الأردن؟
لقد حان الوقت لاتخاذ إجراءات حازمة، فالأرواح التي تُزهق بسبب الحوادث المرورية تستحق أن نقف وقفة جادة لحمايتها. إذا لم نتحرك الآن، فمتى؟
أخبار متعلقة :