نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نورة بوحناش: رمضان الاستهلاكي يُفقدنا التهذيب - أطلس سبورت, اليوم الأحد 9 مارس 2025 03:14 صباحاً
ولم تبرئ بوحناش البرامج الدعوية الرمضانية من انحراف مقصدها، إذ انطوى بعضها في بساط الحداثة دون وعي بمآلات الثقافة التي تُعلي شأن الجسد على حساب الروح.
وأوضحت أن الشريعة الإسلامية اعتمدت تبريراً منطقياً لمقاصدها يقوم على فلسفة التوحيد، الذي يعزز بأدواته التشريعية المسلك التربوي، في إطار تدريب الجسد، وتوجيهه صوب القيم، وتقويمه للفعل في مدار سعيه نحو الصلاح، وعدّتها القيمة الإجرائية، التي تسري وفقها فلسفة الصوم، محققة دربة بيولوجية، تربي الجسد على القيم، وترى أنها فشلت فيها الأخلاقية الغربية، خلال بحثها عن توازن بين النسبي والمطلق، بين الأخلاقي والحيوي؛ نظراً لافتقادها تقنيات أخلقة الذات.
ولفتت إلى أن الحكمة من العبادات المفروضة، والمعاملات المطلوبة، تحرص على تحكيم فوقي للقانون الأخلاقي، الذي يسهم في ولادة للخليفة المؤتمن (الإنسان) الذي يعمل القرآنُ على تكليفه في سبيل الخلافة الكونية، ولا يستأثر الصوم بهذه الفلسفة القرآنية، لأن خلاصة العبادات تكمن في نيل الكمالات التي تستوفي شرط النفخ الروحاني، باعتباره تميّزاً ربانياً حظي به الإنسان الخليفة، وهي فلسفة القرآن التشريعية، المبينَّة في مقاصد العبادة، التي تتغيّا تهذيب النفس وتربيتها على الكمالات، والتحقق من القيادة الفوقية للأخلاق، باعتبارها ماهية الإنسان الأصلية، التي ترادف الحياة الطيبة. وذهبت إلى أن العبادة تُطوّع الجسد تهذيباً، وتبرهن على الصلة بين الجسد والروح، وبالصوم يعرج الجسد إلى القيم التي يدركها ويمارسها، فيكون أسلوب تهذيب للطاقة الحيوية للبشر -تدريبا يتريَّض به الجسد على الصبر والأناة- وفق توازن بين الأثرة والإيثار.
وقالت «يبرهن العلم الراهن على مكمن الخير في الصيام، بدءاً من النظام الفيسيولوجي، كون الانقطاع عن الأكل يمثّل وسيلة علاجية وحياة للجسد، وعلى صعيد التأصيل الأخلاقي المجتمعي، ينشئ الصيام العلاقات الإنسانية التراحمية، بفعل الغيرية، ويهذب الغرائز ويثبت القيم، لتشعر الأنا بالتضحية والفقر إلى الله. كما تُحدث حكمة الصيام التوازن الذاتي، وتمنع الإنسان من الوقوع في (النمرودية) و(القارونية)، بوصفهما مميزتَي الإنسان الحديث وما بعد الحديث، وصفتين للزمن المعولَم».
وتساءلت: هل يتمكن الصوم من فك طوق الأنانية والهيدونية (اللذية) المهيمنة في زمن السيولة المفرطة؟ وكيف يكون الصوم قوة طردية تعيد تهذيب الذات على الوسطية؟ و ما دور العبادة الإسلامية في فك طوق العبودية الطوعية للنظام الاستهلاكي؟ وتجيب: يجب الاعتراف بأن الحداثة وما بعد الحداثة، يؤديان عملية هدم -تارة بطيئة وتارة متسارعة- للبنية الأنثروبولوجية، للمجتمع الإسلامي، الذي تشرّب الشريعة، وتغلغلت في بنياته منذ قرون، إذ تجري عليه عملية تفكيك نسقية، يعوض بها عادات أخلاقية مستتبة، بعادات استهلاكية طارئة، في سياق كوني يعلي من الإسراف ويجعله نمط حياة، مضيفة أن الصوم التعبدي الحقّ ينفي ظاهرة الإسراف بوصفها قيمة سلبية، ورذيلة لا يحبها الله، وإنما فُرض الصوم ليحمي الإنسان من النهايات التي خلص إليها إنسان اليوم، إذ في سياقات التدجين العولمي غدَا رمضان فضاءً لممارسة الاستهلاك المفرط بسيولته العولمية، فبدلاً من تهذيب النفس، ركَن المسلم إلى عادات استهلاكية تقوّض المقصد الأسمى لرمضان بوصفه زمناً روحانياً.
ودعت إلى أن يعيد المسلم مكتسبات الصوم القيم المحررة، تبعاً للشهادة كنظام للحرية، وتستوجب هذه الإعادة تفعيل طاقة النقد الذاتي، ونقد واقع الحداثة، وانفتاحاً على الأنموذج الحضاري انفتاحَ فكر وعمل، وحينها سيعيد المسلم مميزات التخلق الرمضاني، الذي يقدم أنموذجاً إنسانياً للبشرية المحصورة في عبودية الاستهلاك، وتحصيل مقاصده التربوية والتهذيبية الرافعة نحو الصلاح، حتى لا تغدو العبادة مجالاً للتسوق وفضاء زالت منه الروح التي تبثها الشهادة في القلب.
وأضافت: هناك حديث نبوي فاصل في أمر الحياة الروحية والجسدية للإنسان أثبته العلم المعاصر خبرة إجرائية «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع»، بمعنى تهذيب الذات وترويضها على القناعة، في ظل خطة تربوية تضطلع بها الأسرة، إذا ما تبيَّنت أنموذجها الحرّ وتحررت من نير العبودية، الذي أوقعتها فيه الاستهلاكية.
أخبار ذات صلة
أخبار متعلقة :