نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التغير العربي التاريخي ! - أطلس سبورت, اليوم الأربعاء 5 مارس 2025 11:05 مساءً
فلأول مرة تتقدّم صور وفيديوهات الشواطئ والمنتجعات محل الدشم والأنفاق المفخخة، وتقدّم الأسواق ومصانع التقنيات الحديثة بديلاً عن معامل صنع صواريخ التنك وقنابل المواسير، الآن بدأ الجميع -أو لنقل الأغلبية- يرون أن مشاريع التنمية والإعمار أهم من الشعارات الشعبوية التي لطالما دغدغت مشاعر الجماهير في الشارع دون أن تقدّم حلولاً واضحة، بل على العكس من ذلك كانت تعد الجماهير بانتصارات قادمة بدلاً من الخسارات السابقة، وفي كل مرة تذهب الأرواح والمدن والمنازل أدراج الرياح على أمل التغني بتدمير عربة عسكرية هنا، أو قتل مجند هناك، أو اختطاف آخر، لكنها في نهاية الأمر لا تؤثر في النتيجة الكلية للمعارك التي يدفع ثمنها المدنيون، وتنتهي بهزيمة ينكرها أصحابها ويداريها المتضررون خشية من تشفي الخصوم.
بالطبع من المبكر جدّاً التأكيد على نجاح المبادرات المطروحة، لكن من المهم تشجيع طريقة التفكير في التنمية والبرغماتية الاقتصادية بدلاً عن المقاولة من الباطن بالسلاح وتعريض مئات الآلاف من المدنيين للقتل والتشريد والدمار بلا خطة ولا هدف سوى إيقاف قطارات السياسة أو مشاريع الاقتصاد العابرة.
فكرة تحويل المنطقة بأكملها لأوروبا جديدة هي فكرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التي طرحها قبل سنوات عدة، بل وأعطى أمثلة لاقتصادات نجحت أو هي في الطريق للنجاح وتحقيق أهدافها المستدامة، وما يطرح اليوم هو تعزيز لتلك الرؤية التي ستسهم -إن تحققت- في تقديم الحياة بدلاً من الموت لسكان هذه المنطقة من العالم، التي تحملت الكثير من الآلام خلال المئة عام الماضية، وليس من المعقول أن تعيش قرناً آخر بنفس الأدوات والنتائج.
ما يطرح اليوم هي مشاريع تشبه إلى حد كبير مشاريع إنقاذ اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، فكلا البلدين خاضا حرباً طاحنة ولدها عدم تقدير قوة الخصوم، وتعظيم الدعايات والشعارات مكان الإمكانات.
لقد تلقت ألمانيا واليابان هزيمة ساحقة، فالولايات المتحدة عاقبت اليابان بقنبلتين نوويتين، وكان ينتظر اليابان تسع قنابل أخرى لولا المسارعة بالتصالح مع واقع ونتائج المعركة، واحتلت ألمانيا بالكامل وقسمتها، إلا أن بداية الانعتاق من تبعات الهزيمة كانت الاعتراف بها وعدم اختراع انتصارات وهمية.
ألمانيا واليابان قاومتا خصومهما بالاقتصاد وعوضتا الهزيمة بالتنمية والانخراط في معركة الصناعة العالمية، وهو ما حقق لهما انتصاراً لم يكن حتى ليحصل لو استمرتا في الحروب غير المتكافئة التي استنزفت أمتيهما، وها هما الآن جزء من سادة الاقتصاد العالمي، والبلدان من الأكثر تأثيراً في السياسة الدولية.
إذن نحن أمام بوادر انقلاب كلي في الشرق الأوسط على كل شعارات وأفكار ما بعد حرب 48 التي أعلن حينها أن لا صوت يعلو فوق صوت البندقية، مع أن البندقية التي رفعت لم تحقق سوى هزائم متتالية وخسارات فادحة للأراضي.
نحن بالفعل أمام تغيّر تاريخي في التفكير العربي سيؤثر بلا شك على حياة شعوب المنطقة العربية ومستقبلهم في ظل تحولات وتغيرات كبرى في موازين وخرائط النفوذ الدولية.
إذن من المهم نجاح مبادرات التنمية مقابل السلام، والاقتصاد بدلاً من البندقية، والتعليم في الجامعات بدلاً من معسكرات التنظيمات، والأرواح الحية بدلاً من الجثامين الميتة، ولكن من المهم أيضاً فهم «أن لا تنمية تنجح وفوهة البندقية تحت عباءة عمال البناء»، وإلا فإن مصيراً أسوأ مما سبق سيحيط بهذا المنطقة من العالم لعقود وربما لقرون قادمة.
أخبار ذات صلة
0 تعليق