كتب ايهاب سلامة -
هل أخطأ الداعية الكويتي عثمان الخميس بهجومه على حركة المقاومة الإسلامية حماس، أم أنه أصاب، ولماذا؟
الإجابة على هذا السؤال بموضوعية صرفة تحتاج إلى تحليل تصريحات الرجل، وسبر أغوار أبعادها ومآربها، وتفنيد مقاصدها ومثالبها، فالرجل داعية معروف، له مكانته الكبيرة، وما يخرج من فمه يرتدي لبوسًا عقديًا، وله محاذيره الخطيرة التي تؤثر على ملايين الناس من مريديه الذين يقتدون به ويبجلونه، ولا ينطق بلسانٍ سياسي يمكن الأخذ منه والرد عليه، والخلاف والاختلاف معه!
الأمر يتوجب التقصي للفهم: هل عبّر الشيخ الخميس عن موقف سياسي في هجومه على حماس، أم أنه أفتى بحكم شرعي وفقًا لخلفيته الدعوية والفقهية لا السياسية؟ وعلى ماذا استند في فتواه؟
الخميس هاجم حماس بشدة، ووصفها بالـ"فرقة المنحرفة"، وأنها "سلكت طريقًا سيئًا وألقت نفسها في حضن إيران"، ودعا إلى "التفريق بين المقاومة وبين أهل غزة"، وطالب بـ"تخريب هذه الجماعة لأنها مفسدة وسيئة جدًا" على حد قوله.
البداية من وصفه لحماس بأنها "فرقة".. وهو وصف مغلوط بالمطلق، فحماس ليست فرقة سياسية، ولا دينية مذهبية، إنما هي حركة مقاومة، ذات مرجعية إسلامية، تؤمن بأن تحرير فلسطين ومقدساتها لا يكون إلا بالمقاومة. ولا نخال عاقلاً، مسلمًا كان أو ملحدًا، يختلف مع حماس في حقها بالمقاومة، ولا مع حق أي شعب محتل يسعى لتحرير نفسه ووطنه، وربما نسي الشيخ الخميس هذا الأمر أو تناساه، الله وحده يعلم.
أما وصفه لحماس بأنها "منحرفة"، فقد جانب الصواب توصيفه مع الأسف؛ سواء أكان يقصد انحرافًا سياسيًا أم عقديًا. فالانحراف العقدي في أبسط تعريفاته في الأدبيات الإسلامية يعني: "الخروج عن إجماع أهل السنة والجماعة"، ولا ندري كيف خرجت حماس عن "إجماع أهل السنة والجماعة"، ومتى وأين، إلا إذا كان الشيخ يعلم ما لا يعلمه مليارا مسلم!
أما إذا قصد خروجها عن أهل السنة والجماعة لأنها، كما يقول، قد "ارتمت في حضن إيران" الشيعية، فقد جانبه الصواب هنا أيضًا، لأن العلاقة بين حماس وإيران ليست علاقة عقدية دينية، ولم تكن يومًا كذلك، فهي لم "تنحرف" نحو التشيع مثلًا، بل حاربت محاولات التشيع في غزة سابقًا، وما العلاقة التي تربطها مع طهران إلا علاقة براغماتية صرفة، جنحت لها مضطرة، بعد أن أغلقت القبائل العربية مضاربها في وجهها، وليتها اكتفت بصدودها، بل شرعنت علاقاتها مع كيان الاحتلال، وطبّعته، ووقَّعت معه اتفاقيات سياسية واقتصادية وأمنية، على ظهر وحساب الشعب والقضية الفلسطينية!
وبالمناسبة، لم نسمع الشيخ الخميس ولا عشرات المشايخ – قدَّس الله سرهم – يجرؤون على انتقاد هذه الدول التي اتخذت من الكيان الإسرائيلي صديقًا وحليفًا، ولم يصفوها بالانحراف، ولم يتهموها بالخروج عن ملة الإسلام، علمًا بأن الله قد أخرج من يتخذ عدو المسلمين وليًا من ملة الإسلام حين قال في محكم تنزيله : {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}، ثم قال سبحانه: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}!!
وهنا نطرح سؤالًا على الشيخ المحترم: هل يمكن، من باب القياس، وصف علاقات دول وأنظمة عربية مع الكيان الإسرائيلي الذي يحتل المقدسات الاسلامية، أو مع الولايات المتحدة التي نكّلت بالشعوب العربية، بأنها دول وأنظمة رمت بنفسها في أحضان تل أبيب وواشنطن؟ وهل مثلًا، يمكن وصف دول عربية استعانت بدول غربية لتحرير أرضها، بأنها خارجة عن الملة؟ ولماذا يباح لهؤلاء ما يحرّم على المقاومة الفلسطينية المحاصرة؟!
دلَّنا على الرأي السديد يا شيخنا، دلَّنا على سبل الصواب لنتبعه معك، أم أن الهجوم على المقاومة بلا كلف دنيوية، فيما انتقاد المطبعين له ثمن لا يجرؤ مشايخنا على تحمُّل كلفته وتبعاته؟
أما المطالبة بالتفريق بين غزة والمقاومة، فهو مطلب منحرف مضلل، لأنه يكرس تمامًا خطاب الاحتلال الذي يبرر قصف منازل الفلسطينيين في غزة بحجة استهداف المقاومة، وليس استهداف الشعب الفلسطيني! كما يكرس سياسة الاحتلال التي تهدف إلى نزع المقاومة عن حاضنتها الشعبية.
والسؤال البديهي هنا: هل تعطي مثل هذه الفتاوى التي تشوِّه المقاومة الفلسطينية، غطاءً شرعيًا إسلاميًا يتيح للاحتلال توظيفه لتبرير جرائمه في غزة؟ وما هو موقف حاخامات الكيان المتطرفين بالفطرة من المقاومة ومن غزة وهم يرون فتاوى مشايخ المسلمين التي تساند كيانهم - ضمنًا - ضد المقاومة، أشد قسوة على المقاومة، من فتاويهم؟!
وأيضًا، هل يمكن قراءة ما قاله الخميس بأنه تمهيد بغطاء شرعي لما يحاك حول اخراج المقاومة من معادلة غزة؟ سيما وأن "الطعنات السياسية" التي تلقتها المقاومة في ظهرها من القريب قبل الغريب لم تنل من عزيمتها، وربما تكون الطعنة بـ"نكهة شرعية" لها تأثير أكثر، وضرر أكبر، لم لا؟
أما تهديد الخميس ووعيده بـ"تخريب حماس حال انتهاء الحرب لأنها مفسدة وسيئة"، فهو ما نربأ به أن يصدر من "مواطن كويتي" نعلم يقينًا أن بلاده اتخذت مواقف تاريخية مشرفة من غزة والمقاومة. وكان الأجدر بالشيخ المحترم، المطالبة بتخريب الكيان الإسرائيلي، الذي أباد 50 ألف مسلم في غزة، بدلًا من غرز خنجر مسموم في ظهر المقاومة!
ربما نسي "أسد السنة" أنه قبل السابع من أكتوبر بأيام، كان جنود الاحتلال يقتحمون المسجد الأقصى مدججين بأسلحتهم، ويدوسون المصاحف ببساطيرهم، ويبطشون بالمصلين المسلمين، ويمتهنون المرابطات المقدسيات السنيات، وهن ساجدات، وربما، لم يشاهد "أسد السنة" أيضًا، قطعان المستوطنين وهم يشتمون النبي ﷺ في صحن قبلة أهل السنة الأولى، ويرددون على مسامع أمته: "محمد مات مات... وخلف بنات"!
ما يمكن التوافق معه من تصريحات الشيخ الخميس أن المقاومة فعلًا قد انحرفت.. لكنها انحرفت عن خط الاستسلام الذي انتهجته "فرقة أوسلو" طوال ثلاثين عامًا من المفاوضات، وخرج الفلسطينيون من مولدها بلا حمص.
نعم، لقد انحرفت المقاومة أيضًا عن خط التطبيع العربي، وعن حالة الذل والهوان التي استمرأتها دول وشعوب العروبة، وليس له، ولا لنا، حجة على المجاهدين المرابطين في أكناف بيت المقدس، بل لهم الحُجة على الأمة، وليس للأمة المتخاذلة حجة عليهم!
والسؤال الأخير الذي يحتاج إلى فتواك يا شيخنا: هل يبيح الشرع لمن احتُلَّت ديارهم وأولى قبلتيهم، مقاومة محتلهم ومغتصب مقدساتهم، أم أن الإسلام ينهى عن ذلك يا ترى؟
أفتنا يا رعاك الله!
0 تعليق