وتعطلت لغة الكلام ! - أطلس سبورت

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
وتعطلت لغة الكلام ! - أطلس سبورت, اليوم الاثنين 10 مارس 2025 11:20 مساءً

كما في الحب في السياسة كثيراً ما يعجز اللسان عن الإفصاح عن ما يجول في الضمير ويعتمل في الوجدان، فيُلجأ لاستخدام لغة الجسد لإقامة حوار غامض، يفرضه منطق السياسة، مما يزيد الأمر غموضاً وتعقيداً. في الدبلوماسية يكثر اللجوء إلى لغة البلاغة: كالمجاز والتورية والجناس، إما تعمّداً في الغموض.. أو عدم القدرة على الإفصاح، لتتعدد التفسيرات والتأويلات والقراءات، لموقف سياسي بعينه.

في علاقة غير متوازنة بين طرفين دوليين تجمعهما قضية واحدة، تعكس مواقف مختلفة، بل أحياناً متعارضة، يُلجأ للغة البلاغة الغامضة، بهدف إرباك الخصم وتشتيت خطابه السياسي، من أجل التأثير على موقفه تجاه قضية تهمهما معاً. بصفة عامة: في السياسة ولغة الدبلوماسية لا يتوقع استخدام لغة واضحة وصريحة وقاطعة، إلا في وضع يتمتع فيه أحد طرفي الصراع بثقل (مادي) مشهود وملموس في ميزان القوى، ينطلق من إمكانات ردع حازمة وقاطعة.

في العلاقة بين الدول العربية وإسرائيل، لإدارة حركة الصراع بينهما، تستخدم إسرائيل لغة جازمة وصارمة لا تحتمل إلا تفسيراً واحداً: الثقة التي قد تصل لحد «الوقاحة» المبتذلة، تعكس الموقف السياسي والعسكري المتميز، الذي يُسَيّر السياسة الخارجية الإسرائيلية، ويجعل من الطرف العربي عاجزاً عن استخدام نهج الصراحة والشفافية والوضوح في خطابه السياسي.

كما أن الشعور بسبب التفوق في ميزان القوى، لا تتورع إسرائيل أحياناً من الكشف عن مواقف سرية للجانب العربي، تجري في لقاءات وراء الستار، لا يرغب الطرف العربي الإفصاح وإماطة اللثام عنها، إمعاناً في إحراج الطرف العربي، لابتزازه وإحراجه، بالذات لدى قاعدته الشعبية وأمام العالم.

هذا يفسر في كثيرٍ من المواقف كيف تبدو الدبلوماسية الإسرائيلية، وقد تملكتها نشوة الشعور بإمكانات الردع عندها، لتكشف عن خبايا ومنطلقات سياستها الخارجية، بكل صلف ورعونة، وهي واعية بعجز الطرف العربي عن مجاراتها في خطاب الدبلوماسية الجريئة التي قد تصل أحياناً إلى مستوى «الوقاحة» المستفزة، في غياب لغة دبلوماسية مضادة، لدى الجانب العربي، تنتهج أسلوب الندية والتحدي.

في واقع الأمر: استراتيجياً للأسف بعض العرب ينطلقون من دبلوماسية استرضائية تجاه إسرائيل، تعكس تاريخاً مليئاً بالتنازلات والمساومات على قضايا استراتيجية، تجاه مسألة حساسة وجودية وحيوية (الأمن القومي العربي). بينما تنطلق إسرائيل من موقف وجودي مماثل، لا يقبل المساومة في منطلقاته الإيديولوجية وضروراته الاستراتيجية.

على سبيل المثال: منذ حرب الأيام الستة (يونيه ١٩٦٧) العربُ اتبعوا دبلوماسية المساومة على مواقفهم وقضاياهم القومية: من لاءات قمة الخرطوم (سبتمبر ١٩٦٧) الثلاث (لا تفاوض.. لا صلح، ولا سلام مع إسرائيل).. إلى تجربة السلام المنفرد، كما جاء في اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل ١٩٧٩، مروراً بقرار القمة العربية في بيروت ٢٠٠٢ التي أخذت باقتراب التطبيع مقابل الأرض، بعد فشل تجربة الأرض مقابل السلام... إلى أن وصلنا إلى مرحلة التطبيع مع إسرائيل دون أية ضمانات أمنية أو إقامة دولة فلسطينية، كما هو الحال في اتفاقات أبراهام، التي دخلت فيها بعض الدول العربية، نهاية ولاية الرئيس دونالد ترمب الأولى (٢٠١٦- ٢٠٢٠).

في المقابل: نجد إسرائيل لم تتنازل قيد أنملة، منذ إعلان قيامها بموجب قرار التقسيم ١٨١ (٢٩ نوفمبر ١٩٤٧)، الذي أعطى إسرائيل ٥٥٪؜ من أرض فلسطين لليهود.. ولا كَبَحَ شهية إسرائيل النهمة في التوسع في الأراضي العربية، من أجل قيام دولة يهودية خالصة تتجاوز حدود فلسطين التاريخية والجغرافية، طمعاً في إقامة إسرائيل الكبرى: من غرب دجلة إلى غرب السويس وحتى حلايب وشلاتين وشمال شبه الجزيرة العربية وحتى هضبة الأناضول، مهددةً وجود دول عربية إلى الآن لم تصلها استراتيجية إسرائيل التوسعية بعد.

يبدو أنه لم يتم قراءة التاريخ كما يجب. دبلوماسية الاسترضاء، التي تتعطل فيها حتى لغة الكلام، تجاه إسرائيل، لم يعِ العرب كيف عادت هذه الدبلوماسية بالوبال على أوربا عندما اتّبعتها دول كبرى، بالذات بريطانيا العظمى، في مواجهة دبلوماسية المدافع والحروب الخاطفة، التي انتهجها هتلر وقادت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥) عندما اجتاح الجيش النازي كل أوروبا الغربية، في حروب خاطفة وحاسمة. لم يتحسن الوضع ميدانياً في أوروبا إلا عندما تخلت بريطانيا عن دبلوماسية الاسترضاء واستبدالها بدبلوماسية المواجهة، باختيار ونستون تشرشل لقيادة بريطانيا العظمى، وسقوط فريق دبلوماسية الاسترضاء، بزعامة هليفاكس.

العرب، إن أرادوا استبدال دبلوماسية الاسترضاء الصامتة بدبلوماسية المواجهة الصاخبة المدوية، عليهم أن يقدّروا أولاً فداحة الخطر الصهيوني الذي تمثله إسرائيل لأمنهم القومي وكينونة وجودهم، قبل فوات الأوان. ذلك يكون بقطع الطريق عملياً عن استراتيجية إسرائيل التوسعية، لا مواصلة دبلوماسية الاسترضاء السلبية التي تعطلت فيها حتى لغة الكلام، وتطوير دبلوماسية المواجهة الإيجابية الفاعلة والرادعة، لوقف التوسع الإسرائيلي في الأراضي العربية، حيث لن تسلم أي دولة عربية منه، غرب السويس، لا شرقها، هذه المرة، كما كان الأمر في السابق.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق