* مع استعداد كامل لتقديم خطة متكاملة لتبني هذا المشروع الوطني
في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، أصبح الوعي القانوني ضرورة ملحّة لبناء مجتمع مستقر ومتوازن. فالقانون ليس مجرد أداة لتنظيم العلاقات بين الأفراد والمؤسسات، بل هو أيضًا وسيلة لضمان الحقوق والواجبات، وحماية الأفراد من الوقوع في الأخطاء القانونية. ومع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي وانتشار الجرائم الإلكترونية والانحرافات السلوكية بين الشباب والأحداث وطلبة المدارس، بات من الضروري تعزيز الثقافة القانونية لديهم، إذ إن جزءًا كبيرًا من هذه المشكلات يرجع إلى قلة الوعي القانوني بين الأفراد، وخاصة الطلبة.
إلى جانب ذلك، أصبح مرتكبو الجرائم يستغلون انعدام الوعي القانوني لدى الأطفال والأحداث والشباب لتحقيق أهدافهم الإجرامية، وجعلهم ضحايا سهلة للاستغلال. لذا، فإن تدريس الثقافة القانونية في المدارس والجامعات لم يعد خيارًا، بل هو ضرورة لحماية الطلبة من الوقوع في الجرائم، سواء عن قصد أو جهل، وتعزيز شعورهم بالمسؤولية القانونية والمجتمعية.
يعتبر الجهل بالقانون أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى وقوع الطلبة في المخالفات القانونية، مثل التنمر، والتعدي على ممتلكات الآخرين، والاعتداء الجسدي، أو حتى الجرائم الإلكترونية مثل الاختراق والابتزاز الإلكتروني. وفي كثير من الأحيان، لا يدرك الطلبة أن بعض الأفعال التي يرتكبونها بدافع الفضول أو المزاح قد تكون مجرّمة قانونيًا. لذا، فإن توعيتهم بالقوانين والعقوبات المترتبة على هذه الأفعال يشكل رادعًا قويًا لهم، ويمنعهم من الوقوع في المشكلات القانونية التي قد يترتب عليها عقوبات منصوص عليها في القانون .
عندما يتم إدراج الثقافة القانونية ضمن المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، يتعلم الطلبة كيفية التمييز بين السلوكيات المقبولة وغير المقبولة قانونيًا، وبين الأفعال المجرّمة وغير المجرّمة. وهذا يؤدي إلى تقليل المخالفات السلوكية داخل المدارس والجامعات، مثل العنف المدرسي او الجامعي ، التحرش، السرقة، والاعتداء على الآخرين وممتلكاتهم.
ان الأثر الإيجابي لتدريس الثقافة القانونية لا يقتصر على البيئة التعليمية فحسب، بل يمتد إلى خارج أسوار المدارس والجامعات، حيث يدرك الطلبة مخاطر المشاركة في أعمال غير قانونية، مثل تعاطي المخدرات أو الانضمام إلى جماعات مشبوهة. فالوعي القانوني يمنحهم القدرة على اتخاذ قرارات صائبة تحميهم من الانحرافات السلوكية والمخالفات القانونية.
إن تدريس الثقافة القانونية يسهم في إعداد جيل يمتلك معرفة قانونية أساسية، مما يجعله أكثر قدرة على اتخاذ قرارات سليمة في حياته اليومية والمهنية، وأكثر وعيًا بحقوقه وواجباته كمواطن في المجتمع. كما أن هذا الوعي يساعد في الحد من التصرفات غير القانونية، ويعزز مفهوم المسؤولية الشخصية والمجتمعية لدى الطلبة.
إن مسؤولية نشر الثقافة القانونية لا تقع على عاتق جهة واحدة، بل هي مسؤولية مجتمعية مشتركة تشمل الأفراد، المسؤولين، الوزارات، الجمعيات، والمبادرات المجتمعية. ومن هذا المنطلق، يجب على وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي العمل على وضع خطة شاملة لإدراج مناهج الثقافة القانونية ضمن المناهج الدراسية، لضمان تحقيق الهدف الأسمى وهو بناء مجتمع أكثر استقرارًا وأمانًا، والحد من معدلات الجريمة في المستقبل.
واخيراً وانطلاقًا من خبرتي القانونية وعملي كناشط قانوني وحقوقي في نشر التوعية القانونية في الجامعات الأردنية والمجتمع المحلي، فإنني أضع على طاولة المسؤولين وأصحاب القرار مقترحًا لتبني مشروع وطني شامل لنشر الثقافة القانونية في المدارس والجامعات. وأنني على استعداد كامل لتقديم خطة ودراسة متكاملة لهذا المشروع الذي من شأنه أن يشكل نقلة نوعية في مجال التعليم والتوعية القانونية، ويكون خطوة فعالة في حماية الشباب من الوقوع في الجرائم والمخالفات القانونية.
ختامًا، إن الاستثمار في وعي الأجيال القادمة بالقانون هو استثمار في مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا. فبناء جيل واعٍ بالقانون، مدرك لحقوقه وواجباته، هو الخطوة الأولى نحو مجتمع أكثر عدالة وانضباطًا.
* الكاتب مؤسس مكتب سفراء العدالة للقانون والتحكيم ومؤسس مبادرة في الميزان حق وواجب لنشر الوعي القانوني في الجامعات الأردنية والمجتمع.
0 تعليق