تواصل روسيا تعزيز وجودها في سوريا من خلال مفاوضات مكثفة مع الحكومة الجديدة في دمشق بهدف ضمان استمرار قواعدها العسكرية والاستفادة من الاستثمارات الاقتصادية طويلة الأمد في البلاد.
وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن هذه المباحثات تشمل ترتيبات أمنية واقتصادية جديدة، إضافة إلى مناقشة مستقبل العلاقات الثنائية في ظل التحولات السياسية الراهنة.
تحركات روسية لضمان النفوذ في سوريا
منذ سنوات، لعبت روسيا دورًا رئيسيًا في المشهد السوري، حيث قدمت دعماً عسكرياً وسياسياً لنظام بشار الأسد قبل انهياره، ومع التطورات الأخيرة، باتت موسكو حريصة على الحفاظ على مكاسبها الاستراتيجية، خاصة في ظل وجود قوى دولية أخرى تسعى إلى تعزيز نفوذها في سوريا.
ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن روسيا تسعى لضمان استمرار عمل قواعدها العسكرية، بما في ذلك قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، التي تعدّ نقطة ارتكاز مهمة لنشاطها العسكري في المنطقة.
كما تحاول موسكو توسيع نفوذها السياسي عبر تقوية علاقتها بالحكومة السورية الجديدة، وسط تراجع الاهتمام الأمريكي بالملف السوري.
روسيا والموقف الأمريكي من سوريا
في هذا السياق، ترى روسيا أن التردد الأمريكي في تحديد موقفه من الحكومة السورية يمنحها فرصة لترسيخ وجودها.
وبحسب الصحيفة، فإن موسكو سارعت إلى تقديم دعم مالي لسوريا في الفترة الأخيرة، حيث قامت بضخ ما يعادل 23 مليون دولار بالليرة السورية في البنك المركزي السوري، بهدف الحدّ من تدهور الاقتصاد السوري وتعزيز حضورها في المشهد المالي.
استثمارات واتفاقيات اقتصادية
إلى جانب الوجود العسكري، تعمل روسيا على تعزيز وجودها الاقتصادي في سوريا عبر استثمارات ضخمة، وتشمل هذه الاستثمارات تطوير منشآت حيوية مثل ميناء طرطوس، واستغلال الموارد الطبيعية، بما في ذلك الفوسفات وحقول الغاز، بالإضافة إلى مشاريع صناعية أخرى مثل بناء مصانع للأسمدة في حمص.
وبحسب التقرير تؤكد مصادر حكومية أن هذه الاستثمارات تهدف إلى ضمان مصالح روسيا طويلة الأمد في سوريا، خاصة في ظل التنافس مع دول أخرى على النفوذ الاقتصادي في المنطقة.
مفاوضات حول القضايا العالقة بين روسيا وسوريا
إلى جانب القضايا العسكرية والاقتصادية، تتناول المفاوضات بين الجانبين قضايا أخرى، أبرزها طلب دمشق استعادة بعض الأصول والأموال التي تم تحويلها إلى روسيا خلال السنوات الماضية.
كما تشمل المحادثات مناقشة دور القوات الروسية في المرحلة المقبلة، حيث تسعى الحكومة السورية إلى تقليص حجم الوجود العسكري الأجنبي، مع الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع موسكو.
كما تتضمن المفاوضات إمكانية تقديم اعتذار روسي عن دورها في القصف الذي استهدف المدنيين السوريين خلال الحرب. في المقابل، رفضت موسكو طلب الحكومة السورية تسليم رئيس النظام المخلوع، وفق مصادر أوروبية وسورية مطلعة على المفاوضات.
تقارب سياسي بين روسيا وسوريا
أما عن التقارب السياسي، فقد اكتسب زخماً عقب اتصال هاتفي أجراه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع نظيره السوري، أحمد الشرع، ناقشا خلاله العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية، بما في ذلك استعداد روسيا لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا. وبعد أيام قليلة، أرسلت موسكو طائرة تحمل أوراقاً نقدية سورية مطبوعة في روسيا.
كما وجه بوتين دعوة لوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، لزيارة موسكو، ما يعكس رغبة روسيا في إعادة ترتيب علاقتها مع الحكومة السورية الجديدة وفق شروط جديدة.
وقالت “وول ستريت جورنال” إن الحكومة السورية حرصت على تقديم المفاوضات مع روسيا كجزء من سعيها للحصول على تعويض عن المعاناة والدمار اللذين سببهما دعم القوات الروسية للحملات القتالية التي كان يشنها نظام الأسد.
التوازن في العلاقات الدولية
وبحسب التقرير فإن المفاوضات بين بين موسكو ودمشق مهمة للطرفين، حيث تسعي سوريا لتحقيق توازن في علاقاتها الدولية، لا سيما في ظل النفوذ التركي والإيراني المتزايد، حيث تحاول أيضاً تجنب الاعتماد الكامل على أي طرف خارجي، لضمان استقلالية قرارها السياسي والاقتصادي.
في المقابل، تواجه موسكو تحديات عدة، أبرزها العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب الحرب في أوكرانيا، والتي قد تؤثر على قدرتها على الاستثمار في سوريا، ومع ذلك، لا تزال روسيا ترى في سوريا شريكاً استراتيجياً يمكنه تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، مما يدفعها إلى مواصلة جهودها لتأمين وجودها في البلاد على المدى الطويل.
اقرأ أيضا
بميزانية مليار دولار.. كيف تخطط إسرائيل لتفتيت سوريا عبر بوابة الدروز ؟
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
0 تعليق